كيف يضرب الكساد الاقتصادات والأسواق؟
الكساد الاقتصادي هو إحدى أعنف الظواهر التي قد تضرب اقتصاد دولة أو حتى الاقتصاد العالمي بأسره. يُعرف الكساد
بأنه فترة طويلة من الانكماش الحاد في النشاط الاقتصادي، تتسم بانخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاع معدلات
البطالة، تراجع الإنفاق والاستهلاك، واضطراب حاد في الثقة الاقتصادية.
ولا يُعد الكساد مجرد مرحلة من الركود، بل يتجاوزها عمقًا وخطورة، إذ يمتد لفترة تتجاوز ثلاث سنوات عادة، ويترافق مع تراجع
في الناتج المحلي يفوق 10%، ما ينعكس سلبًا على مختلف القطاعات، من الصناعة إلى التجارة، ومن المصارف إلى الأسر.

أمثلة تاريخية بارزة: من وول ستريت إلى أثينا
الكساد العظيم 1929 – 1939
يُعد الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة في نهاية عشرينيات القرن الماضي، المثال الأوضح على الكساد الشامل. بدأت الأزمة في “الخميس الأسود” عام 1929، عندما انهارت أسواق المال فجأة بعد طفرة استثمارية مفرطة اعتمدت على القروض. أدت موجة بيع جماعية إلى انهيار الثقة وانهيار السوق، وسرعان ما امتدت الأزمة لتصيب قطاعات الصناعة والزراعة والبنوك. وبلغت البطالة ذروتها عام 1933 حين فقد ربع الأمريكيين وظائفهم.
أزمة اليونان 2015
في أوروبا، واجهت اليونان كسادًا اقتصاديًا بعد أزمة ديون سيادية بدأت مع الأزمة المالية العالمية عام 2008. تراكم العجز، وانخفض الإنتاج، وتفجرت الأزمة مع إعلان أثينا عجزها عن سداد ديونها، مما أدى إلى تدخلات دولية قاسية وإجراءات تقشفية تركت آثارًا اجتماعية واقتصادية عميقة.
كيف يبدأ الكساد؟
عادة ما يبدأ الكساد بفقدان تدريجي للثقة في الاقتصاد، سواء بسبب صدمة مالية، أو انفجار فقاعة أصول، أو تراكم اختلالات داخلية مثل الدين العام أو التضخم.
يؤدي هذا إلى تراجع إنفاق المستهلكين، فتتراجع الأرباح، وتبدأ الشركات في تسريح الموظفين، مما يزيد من البطالة ويقلل الإنفاق أكثر، وتدور عجلة الانكماش دون توقف.

الآثار الاقتصادية والاجتماعية للكساد
- البطالة الجماعية: تتوقف الاستثمارات وتتقلص الأعمال، فتتوسع دائرة فقدان الوظائف.
- انهيار الشركات: خاصة الشركات ذات الديون المرتفعة أو تلك المرتبطة بالسلع الكمالية.
- تراجع الإيرادات الحكومية: ما يؤدي إلى عجز في الميزانية وصعوبة في تمويل الخدمات.
- تآكل الثقة: سواء بين المستثمرين أو المواطنين، مما يعمق الانكماش ويطيل مدته.
الفرق بين الكساد والركود
في حين يُعد الركود تباطؤًا اقتصاديًا مؤقتًا يستمر عادة لربعين متتاليين، فإن الكساد يمتاز بطول مدته وعمق تأثيره.
الكساد يُفقد الأسواق توازنها بالكامل، ويترك آثارًا هيكلية قد تستمر لسنوات أو حتى عقود.
تأثير الكساد على الأسواق المالية
تتأثر أسواق الأسهم بشدة في أوقات الكساد. تنخفض أسهم الشركات الدورية، خاصة تلك التي تعتمد على الإنفاق الاستهلاكي المرتفع،
فيما تصمد بعض الأسهم الدفاعية مثل شركات الأغذية والمرافق. كما ترتفع قيمة الملاذات الآمنة مثل الذهب، وتزداد التقلبات في الأسواق.
الأسهم الأكثر تضررًا:
- الشركات ذات الديون المرتفعة
- القطاعات الكمالية (الموضة، السيارات الفاخرة)
- الأسهم عالية التقييم بلا أرباح فعلية (المضاربية)
الأسهم التي تصمد:
- شركات السلع الأساسية (الغذاء، الأدوية)
- شركات ذات ميزانيات قوية وتوزيعات أرباح ثابتة
- القطاعات العكسية (محلات الخصم، خدمات الجنازات)
