الحساب الممول في التداول: فرصة متقدمة بين الربح والمشروعية
أولاً: ما هو الحساب الممول؟
الحساب الممول هو نوع خاص من حسابات التداول يتيح للمتداول إمكانية الوصول إلى رأس مال توفره
جهة ممولة، غالباً ما تكون مؤسسة مالية أو شركة متخصصة في هذا المجال. الهدف الأساسي من هذا
النوع من الحسابات هو تمكين المتداولين من ممارسة التداول في الأسواق المالية برؤوس أموال كبيرة
دون الحاجة لاستخدام أموالهم الشخصية. ويأتي ذلك ضمن إطار اتفاق يحدد نسبة توزيع الأرباح والمخاطر
بين الطرفين.
يُمنح المتداول عادة حساباً تجريبياً أولياً يُعرف باسم “مرحلة التقييم”، حيث يُطلب منه تحقيق أرباح محددة ضمن
معايير صارمة لإدارة المخاطر. فإذا اجتاز هذا الاختبار، ينتقل إلى الحساب الممول الحقيقي، ليبدأ في التداول بالأموال
المخصصة له، مع تقاسم الأرباح وفقاً لنسبة متفق عليها مسبقاً.
ثانياً: تاريخ ظهور الحسابات الممولة
بدأت فكرة الحسابات الممولة بالظهور في أواخر القرن العشرين مع انتشار التداول الإلكتروني، حيث واجه العديد
من المتداولين الأفراد عقبة أساسية تمثلت في نقص رأس المال اللازم للتداول الفعّال. ومن هنا نشأت الحاجة إلى
حلول بديلة تسمح للمتداولين الموهوبين بالوصول إلى أسواق المال دون تعريض أموالهم الخاصة لمخاطر كبيرة.
مع بداية الألفية الجديدة، تطور هذا المفهوم تدريجياً، إذ بدأت المؤسسات المالية بتصميم آليات تقييم للمتداولين
تقوم على اختبار قدرتهم على تحقيق الأرباح ضمن حدود مخاطرة مقبولة. وكان الهدف الأساسي من ذلك هو تمكين
المتداولين الأكفاء من إدارة رؤوس أموال ضخمة، مقابل الحصول على جزء من الأرباح.
وفي العقد الأخير، ومع الزيادة الكبيرة في إقبال الأفراد على التداول عبر الإنترنت، تحولت الحسابات الممولة إلى صناعة
مستقلة بحد ذاتها، توفر فرصاً للعديد من المتداولين حول العالم. وقد ساهم هذا التطور في تعزيز السيولة بالأسواق
المالية، وتوسيع قاعدة المشاركين فيها، إضافة إلى خلق فرص دخل جديدة للمتداولين الذين لا يملكون رأس مال كافٍ
لبدء مسيرتهم.

ثالثاً: مزايا الحساب الممول
-
تمكين المتداول من الوصول إلى رأس مال كبير دون الحاجة لامتلاك المال شخصياً.
-
تخفيف المخاطر المالية عن المتداول، إذ إن الخسائر لا تخصم من أمواله الخاصة.
-
إتاحة فرصة للمتداولين الموهوبين لإثبات كفاءتهم وتحقيق أرباح مجزية.
-
تشجيع التداول المنضبط من خلال وضع قواعد صارمة لإدارة المخاطر.
رابعاً: عيوب الحساب الممول
-
وجود رسوم للاشتراك في برامج التقييم، قد تكون مرتفعة نسبياً.
-
تقاسم الأرباح مع الشركة، مما يقلل من نصيب المتداول مقارنة بالحساب العادي.
-
الالتزام الصارم بقواعد إدارة المخاطر، وأي تجاوز قد يؤدي إلى فقدان الحساب.
-
احتمالية وجود شركات غير موثوقة تستغل المتداولين برسوم عالية دون توفير دعم حقيقي.
خامساً: الفرق بين الحساب الممول والحساب العادي
رأس المال:
-
الحساب العادي: يعتمد على أموال المتداول نفسه.
-
الحساب الممول: يوفره طرف ثالث بعد اجتياز التقييم.
المخاطرة:
-
الحساب العادي: الخسائر يتحملها المتداول بالكامل.
-
الحساب الممول: تتحملها الشركة ضمن شروط محددة، مما يقلل الضغط على المتداول.
-
الأرباح:
-
الحساب العادي: يحتفظ المتداول بكامل أرباحه.
-
الحساب الممول: الأرباح موزعة بنسبة متفق عليها بين الشركة والمتداول.
الرسوم:
-
الحساب العادي: لا توجد رسوم تقييم، فقط الإيداع.
-
الحساب الممول: غالباً يتطلب رسوم اشتراك للتقييم أو الانضمام.
الشرعية:
-
الحساب العادي: جائز شرعاً إذا خلا من الربا والاشتراطات المحرمة.
-
الحساب الممول: يختلف الحكم حسب طبيعة العقد؛ فإذا كان على أساس المضاربة الشرعية
وتقاسم الأرباح والخسائر فهو جائز، أما إذا تضمن فوائد ربوية أو التزامات محرمة فهو غير جائز.
سادساً: الحكم الشرعي للحسابات الممولة
اختلف العلماء والباحثون في الحكم الشرعي لهذه الحسابات تبعاً لطبيعة العقود التي تنظمها. فإن
كانت العلاقة بين الشركة والمتداول قائمة على صيغة المضاربة الشرعية، بحيث توفر الشركة رأس
المال ويتولى المتداول العمل مقابل نسبة من الأرباح، مع تحمّل الشركة للخسائر المالية، فإن ذلك
جائز ولا حرج فيه. أما إن تضمنت هذه الحسابات اشتراطات محرمة، مثل الفوائد الربوية أو الغرامات المالية غير المشروعة،
فإنها تصبح محرمة شرعاً. ولهذا، يجب على المتداول المسلم التحقق جيداً من شروط العقد قبل الدخول
في مثل هذه الحسابات، والتأكد من التزامها بالضوابط الشرعية.
سابعاً: الحكم الشرعي للحسابات الممولة
يتوقف الحكم الشرعي لهذه الحسابات على تفاصيل العقد المبرم بين الشركة والمتداول:
-
الحالة الجائزة: إذا كان العقد مبنياً على المضاربة الشرعية (شركة تقدم رأس المال، ومتداول يقدم الجهد
والخبرة، مع تقاسم الأرباح وفق نسبة متفق عليها)، ولم يتضمن أي شرط ربوي أو غش، فإن الحساب
الممول جائز.
-
الحالة المحرمة: إذا تضمن العقد رسومًا مشبوهة تشبه الربا، أو التزاماً بضمان رأس المال، أو بنوداً مجحفة
تخالف قواعد المضاربة الشرعية، فإنه يصبح غير جائز.
ولهذا ينصح الخبراء بضرورة مراجعة العقود بدقة والتأكد من مطابقتها للأحكام الشرعية قبل الدخول في هذا النوع
من الحسابات.
ثامناً: نصائح للمتداولين الراغبين في الحسابات الممولة
-
قراءة العقود والشروط بدقة قبل التوقيع.
-
اختيار شركات ذات سمعة جيدة وتاريخ موثوق.
-
التأكد من أن صيغة العقد تقوم على المضاربة الشرعية.
-
عدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة أو الوعود المبالغ فيها.
-
اعتبار الحساب الممول وسيلة للتعلم والانضباط، وليس مجرد طريق سريع للثراء.
الخلاصة
الحساب الممول يمثل فرصة مهمة للمتداولين الذين يملكون المهارة والخبرة ولكنهم يفتقرون إلى رأس المال
الكافي. ومع ذلك، فهو ليس مناسباً للجميع، إذ يتطلب التزاماً صارماً بقواعد إدارة المخاطر واستيفاء لشروط
التقييم. أما من الناحية الشرعية، فالأمر يتوقف على طبيعة العقد المبرم مع الجهة الممولة؛ فإن كان قائماً على
أسس مشروعة فهو جائز، وإن تضمن مخالفات شرعية فهو غير جائز. وبالتالي، يبقى التحقق من الشروط والالتزام
بالضوابط أمراً أساسياً قبل اتخاذ القرار.
